وحشُ الليلِ
في إحدى الليالي الظلماء، أيام الحصار الاقتصادي على بلدي، كنت أنا وإخوتي الثمانية نفترش الأرض في باحة منزلنا الذي تتوسطه نخلة هرمة، لم تنفعنا طيلة فترة الجوع إلا بظلها في النهار…
انقطع التيار الكهربائي كعادته، بالرغم من أن بيتنا لا يوجد فيه سوى ثلاث مراوح سقفية وخمس مصابيح موزعة على الغرف الثلاث واثنين بين الباحة والزقاق.
ورغم حرارة الجو في ليالي آب اللهاب ( كما يقولون ) يغط إخوتي في نوم عميق لا تسمع سوى أنفاسهم العالية بسبب الحر والرطوبة الشديدة، ولأنني أكبرهم عمرا ، كنت حينها في العشرين ربيعا من عمري، أعتبر نفسي سيدهم وعليهم أن ينصاعوا لكلماتي ويخضعوا كالعسكر لأوامري.
لقد كنت أخاف عليهم وأتفقدهم، أحاول أن آخذ مكان أبويّ بالتفقد والحرص والحماية،
وأنا أرمق النجوم تارة وأحاول عدها، وتارة أخرى تهيم نظراتي إلى جذع النخلة الخاوي وما حول أبواب الغرف التي كانت مفتوحة على مصراعيها، شاهدت شيئا أسود كبيرا يختفي خلف باب إحدى الغرف التي تكاثرت الثقوب في جدرانها بسبب بنائها الطيني، اعتراني الخوف وانهالت علي الأفكار الشيطانية، أمعن النظر جيدا يتراءى لي أنها أفعى ملتوية على بعضها البعض، ستلدغ أحدنا ونفقد عزيزا علينا، ورغم ظلمة السماء التي افتقدت نور القمر، وتصبب العرق لا أعلم هل هو من شدة الحر، أم إن عقلي بدأ يرسل النداء إلى الغدد العرقية أن هناك عدوًا قادمًا، فاحذروه، أعاود الكرة على عيوني للتمعن من جديد، فهذه المرة تؤكد عيناي ذات النظرات الثاقبة أنها عقرب سوداء شرسة، حجمها بقدر كف اليد، فتأكدت أنها عقرب،
لم تستغرق نظراتي وتفكيري والإيعازات والتيقن سوى بضع ثوان، لم أجد بالقرب مني شيئا أدافع به عن إخوتي، ولا شيئا صلبا أقتل به هذا العدو كي أحتفل معهم بشجاعتي، نظرات خاطفة بين يمين وشمال وحذر شديد، حتى شاهدت مداسي في نهاية الفراش، أحسست إنه السلاح المنقذ، أحضرته بهدوء دون صوت ووصلت لهذا الوحش الليلي ورفعت ذراعي وكفي تحمل سلاحي إلى السماء، تخيلت إنها ستلمس سعف النخلة، ثم هوت كالصاروخ الذي يسقط في الحروب على البنايات فيدكها دكا، وبضربة واحدة سقطت على جسد هذا الكائن المتسلل، حتى شعرت بتكسر خرزات ذيله تحت شسع نعلي، ولم يرف له عضو أبدا، كنت منتشيا، وتفاؤل الرجولة والعنفوان يكاد يعم الكون، تركت مداسي على عدونا المخيف لم أحركه إطلاقا، كي لا أفسد الفرحة التي نويت أن أتقاسمها مع إخوتي، وقررت أن أعلن انتصاري أول الصباح مع شروق الشمس، غفوت مطمئنا وأنا أحلم بأن أكنى ( حامي إخوته )،
وفعلا بدأت خيوط الشمس تتسلل لتبدد ظلمة الليل ، فنهضت أولهم لأتفقد الضحية، رفعت مداسي عن الوحش المتكسر الذي لاقى حتفه من بطل الليل، فتفاجأت إن ضحيتي المقتولة هي قطعة خبز محترقة موضوعة قرب الباب، لملمتها بهدوء حتى لا يراني أحد
واستغفرت ربي أن لا يزيل النعم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق