١٩-للمسابقة قصة قصيرة بعنوان*سقوطٌ حـــــــر * بقلم خديجة حسين تلي – الجزائر -
لم يكن "جدي" شخصًا عاديًا ذاك الذي بلغ من العمر عِتّيا، هاهو منذ أشهرٍ قليلة فقط أقفل سنه الثمانين، قلبه الذي يعُج بفوضى الشباب لم يهرم بعد، محملا بأوج أحلام لم تبددها الشيخوخة مطلقا، فوجهه الساطع كشمس الربيع الدافئة يحتوي كل الأمال والأحلام الذابلة، روحه المرحة تنتشلك عنوة من غياهب الضجر، حكاياته التي فاقت حكايات شهرزاد من ألف ليلة وليلة تأخذك إلى جنة الآمال ، وكعادته كل فجر يلبس عباءته البيضاء دون أن ينسى عصاه التي رافقته سنيناً طوال، يتكىء عليها في طريقه إلى المسجد للصلاة كان الجميع في الحي الذي يقطنه يحُبه حُبًا جَّمًا، ويُقدره حق التقدير، فله طقوسه الخاصة في التعامل مع الناس ولا يمكن لأحد أن يتجاوزها .
ذات مساء من أيام نِيسَان – التي تحي الأرض والإنسان -كان الجّدُ مدعوًا لحضور حفل قران ابن الجيران أخذ زينته وتأهب للخروج وبيده هدية صغيرة للعريس اقتناها له بنفسه قائلا:
- لا تنتظروني على العشاء لن أرجع قبل الساعة الحادية عشر ليلا سأتناول العشاء في بيت "حازم" فاليوم زفافه ..
وماهي إلا خُطوتين مشاهما وإذ برِجلاه تَنزلقان في بعض المياه المـُتسربة أمام مخرج البيت ليتهاوى أرضًا وقد كُسرت رجله اليُسرى، وعمَّ صُراخه يملأ المكان .
أسرع الجميع إليه أين حملوه على وجه السرعة إلى أقرب مستشفى والكل هناك في الحي تلفه الحيرة والقلق، إنقطع حفل الزفاف وهرع البعض منهم للحاق به والإطمئنان على وضعه، لكن حالته الصحية كانت صعبة جدا خاصة مع كبر سنه ،أدخل على فوره إلى غرفة العمليات لوجود نزيف داخلي إستوجب جراحة مستعجلة، فتغافل الطبيب عن إجراء بعض الفحوصات الطبية السابقة للجراحة خوفا عليه من شدة النزيف، ولأنه منذ سنوات يعاني من مرض القلب فقد أثرت الجراحة على قلبه ما أدى لفشلها وهو الأمر الذي أودى بحياته التي كانت بستان ياسمين وشقائق النعمان، ذبُلت على حين غِرّة ودون سابق إنذار
لقد كان ذلك السقوط تمهيدا لسقوط ورقة العمر وإنكسار النبض الأخير للحياة ، رحل "جدي" ليحل شتاء سرمدي إختفت شمسه للأبد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق