الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

العاركة القصة الفائزة بالمركز الثامن في مسابقة القصة القصيرة بقلم / أم عمر

٢٤-العاركه

-أنا زهقت
*اصبر قربوا أكيد
كلماتٌ مقتضبةٌ تبادلها مع رفيقهِ وهما منبطحان على بطنيهِما خلف أحدِ الأحجارِ، مد يدهُ لتفقدَ ذخيرتَه، عدها بأطرافِ أناملهِ منتهيًا بتحسسِ أكبرِها الذي أشعره وجودُها بالطمأنينةِ، تلفحُه النسماتُ الساخنةُ التي لم يستطع ميلُ الشمسِ جهةِ الغربِِ في تخفيفِ حرارتِها، اختلطت قطراتُ العرقِ بدمعاتِ عينيه العسليتين وهو يتذكر مساءَ اليومِ السابقِ وهم يحملون رفيقَهم(دبور) وقدمَه التي أبت دائمًا الاستكانةَ داخل حذاءِ تقطر دمًا، مسح وجهَه بساعده، شخُص بصرهُ مع حبيباتِ الترابِ الناعمةِ التي تغطي الساحة، تلك الساحةُ التي تحامل هو ورفاقُه على أجسادِهم الصغيرةِ النحيلةِ في تطهيرها، يومان ينظفونَها من القمامةِ ويزيلون ما بها من حجارةٍ حتى غدت ملعبًا ممتازًا للعب الكرة، متعتهم الوحيدة، خطيئته الكبرى أنه أخبر أخاه الذي يكبره بتسعِ سنواتٍ عنها، فوجئ الصغارُ بالأخِ الأكبرِ وأصدقائه يقتحمون عليهم الساحة، أمام وابلِ السبابِ والدفع تراجع الصغار، كبل الخوفُ عزيمتَهم فتراجعوا مضطرينَ تاركين الساحةَ للكبارِ الذين لم يكفهم دخولها عنوةً وإنما استأثروا لأنفسِهم بأفضلِ ساعتين من ساعاتِ اليومِ الصيفي، تلك التي تنحصر بين الخامسةِ حيث تبرد الشمسُ والسابعةِ قبل حلولِ الظلام، رضخ الصغارُ خوفًا من بطشِ الكبارِ بهم، أما البارحةُ فضوءُ البدرِ الذي أنار السماءَ والأرضَ، أنار قلوبَ الصغارِ بالأملِ في اللعب، انتظروا انتهاءَ الكبارِ من اللعبِ ومغادرتِهم الساحةِ ولكنهم أبوا المغادرة، أغراهم ضوءُ القمرِ الفضيُ على التسامرِ وتبادل السجائرِ وشربِ المرطبات، أنهوا ليلتَهم بتقاذفِ الزجاجاتِ الفارغةِ بينما ينتظر الصغارُ أن يملُّوا ويرحلوا، في لحظةِ يأسٍ قرر الصغارُ المغادرة، لملموا أذيالَ الخيبةِ وهمُوا بمغادرةِ الساحة، قطع صمتَهم صرخةُ دبور وقد دخلت أحدى قطعِ الزجاجِ في قدمهِ الصغيرِ الحافي، استنجدوا بالشبابِ ولكنهم زجروهم وهددوهم فحملوا الصغيرَ المصابَ لمنزلِه حيث استقبلتهم والدتُه بالصراخِ وأقسمت ألا يعودَ ولدهُا للعبِ مرةً اخرى، كانت هذه القشةُ كافيةً لينهار الخوف، اجتمع الصغارُ على قرارٍ واحد..الأخذُ بالثأر، أفاقته صافرةٌ مدوية، إنها الإشارةُ المرتقبة، أخرج نبلتَه وتناول أحدَ الأحجارِ وتهيأ لإطلاقِها.....
 لم يكن وحدَه من استعد، بل أخرج الجميعُ نبالَهم المصنَّع أغلبَها من الأربطةِ المطاطيةِ لملابسِهم، بدأتْ أصواتُ الكبارِ في الوضوحِ وهم يتضاحكون ويتبادلون السبابَ والشتائمَ كما يتبادل الأحبةُ عباراتِ التودد، ما إن خطت أقدامهُم أرضَ الملعبِ حتى فوجئوا بأحجارٍ صغيرةٍ تمطرهم من كلِ صوب، ارتفعت الأذرعُ محاولةً حمايةَ وجوهم، امتلأت الأجسامُ الصغيرةُ بالحماسِ فانطلق الأطفالُ تاركين مواقعَهم متوجهين للساحةِ في مواجهةٍ تبدو للوهلةِ الأولى غيرَ متكافئة، انهال الصغارُ بجميعِ أسلحتَهم من حجارةٍ وعصي على ما استطاعوا الوصولَ له من أجسامِ المقتحمين، أما عسلي العينين فقد كان له هدفٌ واحد، رفع نبلتَه وصوبها بذلك الحجرِ الكبيرِ الذي احتفظ به خصيصًا نحو أخيه، بكل ما أوتي من قوةٍ جذبها وأطلقها، طار الحجرُ الكبيرُ في الهواءِ مندفعًا بسرعةٍ كبيرةٍ نحو هدفِه في إتقانٍ غريب، أصاب الحجرُ أنفَ الأخِ الأكبر، فسمع الأخيرُ له صوتَ تهشم، صرخ في ألمٍ شديدٍ والدماءُ الساخنةُ تغرق فمَه، ضغط أنفَه بيدِه وانحنى ليلتقط الحجرَ ويعيد قذفه موجهًا إياه صوب الصغير، طار الحجرُ في طاعةٍ عمياءَ صوبه دون تقصير ليصيبَه في شفتهِ العلوية، تراجع الأخُ الأكبرُ ورفاقُه وهم يتوعدون الصغارَ ويهددونهم بالعودةِ مرةً أخرى، لحظاتٌ و الصغارُ المذهولون يتابعون الانسحابَ غير مصدقين، قبل أن يبدءوا في الرقصِ والتهليل، حاولوا حملَ عسلي العينين على أكتافهِم ولكن الحملَ ثقلَ عليهم فسقطَ الجميعُ أرضًا ضاحكين يتوسطهم الصغيرُ بابتسامةٍ ازدانت بحرجٍ في شفتِه وسنٍ مكسور.
***************

هناك تعليق واحد:

  1. كل الشكر للمجلة والقائمين عليها
    بوركت جهودكم

    ردحذف

التماس بقلم // صاحب ساجت

.              (إِلْتِماسٌ) يا سَطْوَةَ ٱلنَّفسِ؛ عَلىٰ أَهْلِها... أَنَا ٱلآنَ حُرٌّ، عَتِيقٌ، مُتَفَلِّتٌ مِنْ رِبْقِكِ لِفَضاءٍ آخَرٍ... ...