الجمعة، 10 يوليو 2020

حانات جاحدة بقلم /خالد أخازي

حانات جاحدة
إهداء 
إلى الشاعر الذي يسكننا صخبا جميلا.. ويبعثنا حين نموت قبل الأوان في غربة الأرواح بعصا الشعر التي  لم تكن لموسى.. وبالكلمة التي سبقت الصليب..و بالتعويذة التي دسها ماجوج وياجوج في كبد القصيدة...قبل العقيدة..
إلى شفيق بوهو.. 
             **********
يا صاحبي..!
أماكننا القديمة تحصي موتانا..
كل ليلة يغيب من يغيب
ويحزن الباقون بلا حداد
وتبكي بائعة هوى في دورة المياه..
 فيتلهون عن الغياب بالغياب
على المشرب الكئيب..
أتذكر يا صاحبي...!
 شاعرا  يقوم علل القصيدة
حين تقرؤها ساقية حزينة 
اختفى ذات مساء..
فاختفت النوارس والأشواق
اختفى... فاختفت أوراقه الكثيرة 
على كل طاولة كان يعصر الخيال
وحين يختلط المخاض والفرح
يقاسم غريبا يجيد الدهشة
 ما تبقى من النبيذ والغربة
تلاشت مواسم العناق..
انهارت جسورنا القديمة..
أين تفرق الندامى الحكماء؟
أتذكر رجلا في غيمة
مر من هنا مبعثر البدايات
مثقل الديون والخيبات
ذاك الرسام النحيف
ذاك الأثر العميق فينا
جرحا...ندوبا ...
نسيناه  كأنه لم يكن منا..
نفتك بعلبة سجائره
ثم نقتله حيا 
حين يطوف بلوحة 
من أجل جعة أو رفقة
كم جدد ما حولنا بهاء
ثم اختفى...
لمَ اكتفيت بالصمت زمن الفراق...
هل نحن تافهون....؟
هل نحن ضائعون؟
هل نحن فقط ذاك الفراغ
المسمى ربطة عنق و خطابة
هل نحن تلك الاستعارة الماكرة
وهي تصنع نخبا غبية
لا تمشي في الجنائز
وتمشي في مواكب الموائد..
يا صاحبي..!
أتذكر ذاك الفنان متأبطا حلمه..
ألم تصب بالجنون  والفزع
 ليلة اختفت لوحة شارلي 
كم قدمنا الأنخاب للحبر الأسود 
أخذوا حديقة من مدننا الخفية
فاختفى ..
اختفى فقط...
كأنه لم يكن منا..
 كأننا لم نكن منه...
يا صاحبي..!
 كان من المتعبين الصوفيين..
حتى اختفى..
يا صاحبي...!
أماكننا المعتادة تحصي الراحلين
كل مساء يحل غريب 
ويرحل شاعر حزين
كل مساء يحل عابر 
ويختفي فنان الشاربين..
يا صاحبي...!
أتذكر عازف الكمان الموريسكي
أتذكر زرقة عينيه 
أتذكر صمته الحكيم
وهو يروض أوتار الحنين..؟!
أتذكر كيف نادم حزن الحانات
ذات غياب غاب بلا حداد..
غاب فقط وصمتنا...
أكبر خطايانا الصمت زمن البكاء
يا صاحبي.. !
إني أراقب الزمن في ووجوه السقاة
كلما قل سمع الساقي..
أترقب الرحيل الجماعي..
 يتقوس ظهر  ماسح الأحذية 
فأتلصص على دقات القلب
وأتجسس على صمود الأوعية..
يا صاحبي...!
أماكننا القديمة تحصي موتانا
الساقي يحتفظ بكل الذكريات
حين يحضر الغياب في الحضور
يصير حكاء الفضاءات 
 حكاياه إلياذة بلا أنصاف آلهة..
يا صاحبي...!
أماكننا المعتادة المنعزلة..
تؤول الغياب بالرحيل الأخير
ما أشق على الروح الجريحة
من خذلان حانة ماكرة
تتحكم في الألفة والصحبة
تخصيك كما تحصي الكؤوس...
أليس كل الحانات جاحدة؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التماس بقلم // صاحب ساجت

.              (إِلْتِماسٌ) يا سَطْوَةَ ٱلنَّفسِ؛ عَلىٰ أَهْلِها... أَنَا ٱلآنَ حُرٌّ، عَتِيقٌ، مُتَفَلِّتٌ مِنْ رِبْقِكِ لِفَضاءٍ آخَرٍ... ...