تحيةٌ طيبةٌ...
( نَصٌّ وَ تَعليقٌ)
تتشابهُ حياةُ و ظروفُ بعضِنا، مع شاعرٍ أو رمزٍ ماتَ قبلَ مِئآتِ السنين، و يُعزىٰ ذلك إلىٰ تشابهِ البيئةِ الأمِّ، و المعاناةِ، و طموحاتِ النفسِ الإنسانية.
عند قراءتي الأولىٰ لنصِّ الأستاذة (نبيلة علي متوج) خَطرَ في بالي صفحاتٌ قرأتُها عن الشاعرِ (عروة بن الورد العبسي) عروةُ الصعاليك..
الذي جَمعَ حولهُ ضُعفاءَ قومهِ، و أكرمهم و رعاهم، ثمَّ آثرَهم علىٰ نفسهِ و نصيبهِ من الغاراتِ التي شَنَّها، سواء شاركوا معه... أم لا.
عروة بن الورد العبسي، شاعرٌ و فارسٌ كريمٌ، جادَ علىٰ أصحابهِ، و ضحّىٰ مِن أجلِهم.
و تجلّىٰ كرَمُهُ في قصيدةٍ صَوَّرَ فيها:-
كيفَ أنّهُ شاركَ فقراء قومِهِ، و قَسَّمَ جسمَهُ في أجسامهم ليوفِّرَ لهم طعامَهم، و اكتفىٰ بالماء البارد في عِزِّ الشتاءِ القارصِ.. حتى أصبحَ هزيلًا شاحبًا!
{أُقَسِّمُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ
و أحسُو قَراحَ الماءِ و الماءُ باردُ}
في النّصِّ موضوعُ التعليقِ، الكاتبةُ الاستاذة (نبيلة علي متوج) امرأةٌ في حدودِ بيئتِها و جنسِها، و أعرافِ مجتمعِها.. تُحاولُ أن ترتقي سُلَّمَ المَجدِ الأنساني كمثيلاتها و أمثالها، دون ان تُخطّطَ لذلك أو تقصدَهُ. و هذا -لَعمري- يُشكِّلُ نقطةَ تحوِّلٍ في إضاءةِ مسيرة الأدبِ بأجناسِهِ المتعددةِ... بينَ مَنْ يَكتبُ و يبثُّ مشاعرَهُ عِبرَ كتاباتِهِ.
ممّا يدعونا إلىٰ دراسةٍ مُعمَّقةٍ و بحثٍ متواصلٍ بينَ دِفتَي سِفْرِ الإبداعِ، للمتصدِّينَ للقهرِ و الكبتِ الهمجي، الذي يحاولُ طَمسَ معالمَ ومضاتٍ بَرقتْ هُنا.. أو هُناك، على امتدادِ زمنٍ تجاوزَ القرن، سادَ فيهِ طاغوتُ الفكرِ الثقافي و الإجتماعي، و تمكَّنَ-إلى حَدٍّ ما- مِن تعطيلِ هِمَمَ و مبادراتِ نجومٍ تلألأتْ في فضاءِ الكتابةِ و التأليفِ و مجالاتِ العلومِ و الفنون الأخرىٰ.. في خارطةٍ مشتعلةٍ عرصاتها و أبعادها.
تتصارعُ فيها قُوىٰ الشَّرِّ بكلِّ ما أُوتِيتْ مِن عنجهيةٍ، مَع أصحابِ حَقٍّ باتوا يناضلونَ مِن أجلِ البقاءٍ و الحفاظِ على أسبابِ وجودهم.
حيثياتُ النَّصِّ:-
العنوانُ:- كلماتي
الكاتبةُ:- نبيلة علي متوج/ سوريا
التعليقُ:- صاحب ساچت/العراق
المصدرُ:- مجلة فن الفنون
{ كلماتي - تشبه خبزًا و زيتًا -
زعترًا...
عجنتُها بماءِ عيوني،
و نَضجَتْ في موقدِ قلبي}
في هذا التقديمِ.. تضعُ الكاتبةُ أمامَ المتلقي موقفًا مثيرًا، و صورًا تتحركُ تصاعديًا ببطءٍ، بحيثُ تجعلهُ يتنقّلُ مِن واحدةٍ إلىٰ أخرىٰ بكلِّ متعةٍ و ارتياحْ، مع تعاطفٍ واضحٍ بآلةِ تحويلِ الطاقةِ المتنوعةِ إلى طاقةِ حركةٍ، لا علاقةَ لها باشكالِ الطاقةِ المستعملةِ في الحرارةِ و الكهرباءِ و البخارِ...إلخ.
إنّما علاقتُها بالذهنِ و التفكيرِ و الادراكِ المنطقي، و رفعِ أداءِ مَن يَقفُ وراءَ المحرك الإبداعي، خشيةَ تدنِّي فاعليته و اِنتاجه!
(جياعُ الدفءِ)!
تُرىٰ.. مَنْ هُم هؤلاء؟
النّصُّ يُقدّمُ (قلبًا) على طبقٍ من ذهب، قوتًا لجياعٍ أنهكهم البحثُ عن لقمةٍ، و أصبحوا "كَوْمَةً" يُدَفِّيءُ بعضُها بعضًا!
لا حراكَ لهم، منسيّين على هامش الحياةِ.. لعلهم يسدُّوا رَمقَهم!
بينما صاحبةُ النّصِّ، تكتفي بــ (كسرةِ خبزٍ و زهرة!) لتشعرَ بسعادةٍ ما بعدها سعادة، عندما ترىٰ بسمةَ فرحٍ في عينٍ دامعةٍ، بانتظارِ أن يَبزُغَ فجرَ الحقيقةِ، و تبتهلُ الحروفُ و الكلماتُ بصلاتها و دعواتها الصباحية!
لفتَةٌ لا بُدَّ منها...
(غودو Godot ) شخصيةٌ اسطوريةٌ، ينتظرُها اليائسون في كلِّ زمانٍ و مكانٍ، لا يُعرفُ عَن حقيقةِ وجودِها شيئًا.. مِن عدمِهِ!
على الرَّغم أن البعضَ أعَدَّها (إلٰهًا) ، و البعضُ الآخر(رجُلًا)! و ربَّما تصلُ هذه الشخصيةُ في النهاية.. و ربَّما لا!
أمّا المنتظرون لغودو عليهم أن يَملأوا أوقاتِهم بنشاطٍ ما، تافهٍ أو جِدِّيٍّ، في أثناء عصرِ الانتظار...
و النصُّ -هنا- يقتربُ مِن (فسحةِ الانتظارِ) بنسجِ الأحلامِ قبعةً مِن دفء!
ثم الجلوسُ للترقُبِ/الانتظارِ، إلى أن يطلعَ الفجرُ بعد مخاضٍ عسيرٍ، امتدَّ الوقتُ فيه، و غطّىٰ أيامَ العمرِ بأجمعها في انتظار عودة(الحبيب)، الذي مَهَّدَ له النصُّ كل مستلزمات الاحتفاءِ بوصولهِ المستحيل!
{فمتىٰ تكونُ...
لحظةُ الاشراقِ؟}
هذه هي غُصَّةُ السُّؤالِ في -عصر- الانتظار، عند عشاقِ الحياة الذين يترعرعون و ينعمون بمائدة( عروة أبو الصعاليك)!
أخيرًا...
لا أريدُ أن أُثيرَ ملاحظةً ما، عن لغةِ النّصِّ، المُترَعةِ بالرِّقةِ و العذوبةِ، و مَنْ يَزْعِمُ أنّها لم تقتربْ مِن شَغافِ قلبهِ، و تلامسْ وجدانه... أراهُ واهِمًا، عليه أن يتجرَّعَ كأسًا مِنَ العشقِ اللّذيذِ قبلَ... صباحَ الخيرِ.. مساءِ الخيرِ!
مع أطيبِ التحياتِ
(صاحب ساچت/العراق)
النّصُّ موضوعُ التعليقِ....
(كلماتي )
تشبه خبزًا و زيتًا
زعترًا...
عجنتها بماء عيوني
و نضجتْ في موقدِ قلبي!
كلماتي بسيطةٌ مثل الخبزٍ،
لكنها تُشبٍعُ...
تشبهُ لبنًا.. شهدًا
وَ خمرًا
قلبي يخفقُ
بلا صوتٍ
يبثُّكم نبضهُ،
خبزًا...
فيا جياعَ الدفءِ
اقضموا قلبي
فكسرة رغيفٍ
تكفيني...
و زهرة!
بسمةُ فرحٍ،
في عينٍ دامعةٍ تُحييني
تطيرُ بي إلىٰ الأعالي
تولدُ في الثَّرىٰ
الخصيبِ...
سنابلِ فرحٍ
حروفي تبتهلُ
تسكرُ بوجودِكم...
وَ لكم أنسجُ الأحلامَ
قبعةً من دفءِ
أترقبُ
أن يطلعَ فجركم،
فمتىٰ تكونُ...
لحظةُ الإشراقِ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق