الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

عنقود العنب القصة الفائزة بالمركز الأول في مسابقة القصة القصيرة بقلم / علي محمد صالح


[★]{ عنقود العنب }[★]

أستيقظ على شهيق متصل يتردد في حلقة رأها تجلس إلى المرآة منشغلة بترتيب شعرها،،أصطنع سعلة خفيفة ليلفت انتباهها، غير أنها تجاهلته متعمدة واتجهت إلى نافذة وصيدة لتفتحها فهب من النافذة هواء بارد بصقيع لطمها على وجهها،شعرت بدوار قي رأسها وتصاعدت إلى أنفها رائحة زفر كريهة، حاولت أن تكبح جماح نوبة من نوبات التقيؤ التي صارت تعاودها في الآونة الأخيرة، نظرت إلى زوجها باعزاز ومودة وقررت أن تكف عن مشاكسته فأرسلت إليه ابتسامة عابرة شعر بذبول ابتسامتها ورأى من مسئوليته تقديم المزيد من الغناية بها .
عليه أن يبادر بحلو الكلام علها تخبره بعدئذ عن سر القلق الذي ينتابها..لن يمض على زواجهما ثلاثة أشهر فلا مبرر لأن يعكر صفو حياتهما شيء..قال مبتسما (تزدادين جمالا عندما تكونين مقطبة الجبين) قالت بدلال: كانت يدها تعبث بياقة قميصه. (أشتهي عنقودا من العنب) ضحك ملء شدقيه وشرق في ريقه ثم جاء صوته ممزوجا بسعال :(فقط ..بل قولي أطنانا من العنب !).
خرج في الحال رفع رأسه إلى السماء فرأى الغيوم الداكنة التي تنذر برخات غزيرة من المطر.. تحسس سترته الخفيفة بكلتا يديه شعر بخطورة الموقف لكن ذلك لم يثنه عن متابعة سيره..أسرع قاصدا محلات البقالة واللهفة تسبق خطواته الواسعة ،أخذ يستعجل الخطا لجلب العنب الذي تشتهيه،،طاف بنظرة حول أموام الفاكهة المغروضة أمام وأجهة المحال..قال للبائع: (أريد عنبا)،أرتسمت علامات الدهشة على وجه البقال وسدد إليه نظرة ثانية ثم قال:(لا وقت لدي لمزاجك الثقيل،،أذهب ارجوك!) أنسحب بهدوء وعرج على محل آخر،،عندما سأل عن العنب رفع صاحب المحل يده إلى السماء داعيا(اللهم ثبت علينا العقل) طالت جولة البحث لكن دون جدوى،حدث نفسه قي حيره:(مابال هولاء يمطرونني بنظراتهم الغريبة كلما سألتهم عن العنب؟لاباس سأختم جولتي بذلك المحل)..قال لصاحبه (أريد عنبا)قال البائع: (تقصد تفاحا أو برتقالا)..قال (بل عنبا) قال البائع في

دهشة:لسنا في موسم العنب،ولكن قد تجده في بقالة(المواسم) إنه المحل الوحيد الذي يعرض فواكه في غير موسمها..لا مفر من الذهاب إلى أقصى الطرف الغربي من المدينة حيث يقع المحل..قرر أن يقطع المسافة راجلا عله يعثر على العنب في طريقه،وبيننا كان يعبر الطريق بخطوات بطيئة وذهن شارد قفز فجاة عندما أفزعته صوت فرامل السيارة التي كادت تدهسه وقبل ان تبتعد سمع سائقها يقول له:(انتبه عليك اللعنة )  ..اشتدت الريح ودوى صوت الرعد،تسلت خيوط البرد تحت سترته ولم تمر لحظات حتى هطل المطر غزيرا انطلق مهرولا ليحتمي بمظلة أحد المحلات حاول أن يحتفظ بتوازنه عندما أنزلقت قدمه على كومة من الطين لكنه سفط في الوحل واتسخت ملابسه،قال وهو يعالج صوته الذي لم يجده إلا بصعوبة :(لن أعود إلا ومعي العنب!!) أخذ البقال يتأمله في أشفاق وجزع ثم أسرع يساعده على النهوض ..ابتلع ريقه وسحب نفسه وتحرك بخطا عرجاء نحو المظلة ،تابع سيره متثاقلا وبعد مضي الوقت صاح في فرح: (المواسم) اخيرا !!! دخل المحل متلهفا،زاغ بصره بحثا عن العنب ،،حدق فيه البائع منتظرا سؤاله ،،قال (أين العنب)أشار البائع إلى سيدة تهم بالخروج تحمل كيسا صغيرا في يدها ثم قال متأسفا:  (لو إنك وصلت قبل قليل،،لقد سبقتك وأخذت كل ماتبقى).
هرول خلفها وشد الكيس من طرفه ثم قال دونما تفكير:(من أجل الحب سيدتي لنقتسم ما في هذا الكيس!).
التفتت ناحيته وصفعته على خده قائلة: (متشرد وقح،،ابعد ،،قليل الأدب!!).
ثبت نظرة على الكيس، أخذ قلبه يدق بشدة ،توالت عليه الصور والخواطر،،سمع صوت زوجته يتحدر بنبرات متلهفة في مسارب قلبه،،توامضت في عقله صورا لايلحقها الإدراك،،غض بصره واحنى جسمه وجذب الكيس جذبة قوية تناثرت على إثرها العناقيد،،أطلقت السيدة صرخات الاستغاثة فتجمهر عدد من المارة،،سحقت أقدامهم العريضة العناقيد،،لم يضيع وقتا انبطح تحت ركلاتهم وانحنى تحت طاولة
مجاورة متحسسا الأرضية عله يعثر على عنقود ضال،،وبعد جهد شاق،،وجده،،أخفاه في جيب الستره وتصور السعادة التي سترقص في عينيها،،قال يحدث نفسه مبتهجا(ستفرح،، ستحبني أكثر)..حاول النهوض مستندا بذراعه اليمنى إلى رجل الطاولة حشد قوته وانفلت من تحت الاقدام ثم أنطلق ساقيه للريح.
حين وصل إلى بيته نظر إلى ساعة الحائط فوجدها تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل،تلاشى التعب تماما مع الفرحة التي توشك أن تنبثق بعد لحظات حين تقضم بشفتيها حبات العنب. استقبلته بلهفة وإشتياق وبسيل من الأسئلة(لماذا تأخرت ،أراك مبللا،إنك ترتجف ،،ثمة جرح غائر فوق أذنك بقليل أين ساعتك ،ماهذه الكدمات ؟كأنما خرجت للتو من ميدان عنيف).
طلب منها أن تغمض عينيها ثم أخرج العنقود قائلا:(من أجل عنب في غير موسمه ياحبيبتي)حين فتحت عينيها ابتسمت بسمتها التي يعرفها وقالت (لماذا اتعبت نفسك،  لو إنك أحضرت تفاحة واحدة لاكتفيت بها ياعزيزي)

*************** ************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التماس بقلم // صاحب ساجت

.              (إِلْتِماسٌ) يا سَطْوَةَ ٱلنَّفسِ؛ عَلىٰ أَهْلِها... أَنَا ٱلآنَ حُرٌّ، عَتِيقٌ، مُتَفَلِّتٌ مِنْ رِبْقِكِ لِفَضاءٍ آخَرٍ... ...