#قصة قصيرة
فاجعة ...ألم
كتبت رسالة ووضعتها في ظرف فوق مكتبها؛ ثم همت بمغادرة المكان ، أطفأت الأنوار بعد أن أسدلت الستائر؛ غط الظلام المكان، أغلقت الباب خلفها ورحلت دون أن تفكر.
قامت زينب بمغادرة بيت الزوجية بعد أن اكتشفت أن خليل زوجها قد تزوج مرة أخرى، كيف لها أن تبقى وسط ذكريات أليمة جمعتها به منذ أول وهلة وضعت قدمها ببيته كعروس فاتنة؛ كان عليها أن تفرح بمشروع الحياة الذي طالما خططت له في أحلامها وتمنته أن يكون حقيقة واقعها، هي لم تكن تريد أن تسير حياتها الجديدة على هذا المنوال ؛ بل كانت تتمنى أن تعيش كملكة مع رجل قد أحبته وأحبها؛ هذا هو الظاهر بالنسبة لها قبل أن تتزوجه، مالم يكن في الحسبان أن خليل لم يكن الزوج المناسب لها، ففي أول ليلة لهما اصطحبها معه إلى بيته وبرفقته قارورة مشروب .... كان سكيرا بائسا؛ لكن هذا الأمر لم تكن زينب على علم به لأنه كان يظهر عليه في الغالب الهدوء والسكينة؛ وكانت على وجهه علامات الرضى ، كان دائم الحديث إليها عن الصلاة والعبادات ، وحسن المعاملة، وإكرام المرأة ابتداء من الأم والأخت والزوجة؛ ثم الابنة التي سيرزق بها من زينب، لم تكن تعتقد أن كل هذا الكلام كان مجرد خدعة للظهور بأحسن واجهة لعامة الناس؛ وأن العملة كانت مزيفة وكان لها وجهان ،وجه حسن ووجه عفن كالذي تراه الآن و قد عاشرته لمدة خمس سنوات؛ رأت فيها كل أنواع العذاب، يصل به الأمر إلى ضربها مرارا وتكرارا حتى يسمعها الجيران وهي تستنجد بهم، تعرضت لعدة صدمات أشدها أنها فقدت عينها اليمنى بسبب لطماته؛ كانت قد أخفت عنه قارورة المشروب فبلغ به الغضب أن قام بخنقها ولطمها على وجهها؛ حينها وقعت مغشيا عليها وقد تم نقلها من طرف أحد الجيران على جناح السرعة إلى مصلحة الاستعجالات وتم تحويلها إلى غرفة العمليات أين أجريت لها عملية وبعد أن زال عنها أثر التخدير اكتشفت أنها فقدت عينها اليمنى لأنه تم فقؤها بسبب ضربة قوية؛ هذا ما حدث في العام الثالث بعد زواجهما؛ بعد ذلك قررت طلب الطلاق والعودة إلى بيت أهلها، لكن خليل ظهر بوجه آخر، وجه النادم التائب النائب من ذنبه ، وطلب الصفح منها، واتخذ الوسائط والوسائل كلها ليرضيها؛ ولأن والدها أصر عليها قائلا : يا ابنتي؛ عودي إلى زوجك ، المطلقة في مجتمعنا معرضة للكلام والاشاعات المسيئة ، كما أنك لم تعودي زينب تلك الفتاة الجميلة ؛ فقدانك لعينك سيبعد عنك الخطابين والراغبين في الزواج ؛ كم كانت تلك الكلمات التي تلفظ بها والدها جارحة، أحست بقلبها يتمزق أشلاء أشلاء، ولأنها تحترم والدها وتقدره لم تستطع الرد عليه، بل اغرورقت عيناها وأحست بشيء قابع في حلقها يقطع مرور النفس لديها.
عادت زينب إلى بيت الزوجية لتعيش الجحيم مرة أخرى، أصبح زوجها ينظر إليها كإمرأة ناقصة ،يعيرها بالعمى رغم أن الفضل المشؤوم الذي يدعيه دائما يعود إليه.
بعد عام آخر اكتشفت زينب أنها تنتظر مولودا فغمرتها الفرحة، وأخبرت والدتها بذلك قائلة : الآن لا يهمني ذلك البائس، سأعيش لأجل صغيري بدءا من لحظة وجوده في أحشائي، الحمد لله .... سيكون ابني هو حياتي، لن أهتم لأي أمر آخر.
كانت زينب سعيدة جدا كونها ستصبح أمًّا؛ رغم أن هذه الأمومة في الحقيقة كانت مصطنعة ولم تكن نتيجة حب أو ود بينها وبين خليل، هي أمومة شبيهة بأمومة الشارع إلا أن الفرق بينهما تلك أمومة خالية من الأبوة ،أما أمومة زينب معترف بها لأنها امرأة متزوجة.
أخبرت زوجها بأنه صار أبا عله يغير من طباعه، لكن هيهات عابد المشروب رهين سكرته؛ ففيها يجد سعادته ونشوته، كعادته كل ليلة عليه أن يعود برائحة الكحول المقرفة لينهال على زوجته بوابل من السب والشتم ثم ينام جالسا في صالون البيت ؛ أين تنتشر رائحة المشروب ليفيق بعدها ويستفرغ وسطه ... زينب لم تعد تتحمل هذه العادة ،فهي في أشهرها الأولى والنساء تتغير لديهن الهرمونات ولا يستطعن تحمل روائح الطعام فمابالها المسكينة تشم كل ليلة رائحة استفراغ زوجها لمخلفات الكحول النتنة .
تغيرت حالة زينب وصارت متوترة جدا، وفي أحد الليالي عاد زوجها السكير كعادته ؛ كانت قد سمعت غناءه السيء الذي يصم الأذان من أسفل العمارة ، كان يزداد كلما صعد الدرج، إلى أن وصل إلى باب المنزل؛ فقام برطم الباب بقوة لكن زينب هذه المرة أقسمت أن لا تفتح الباب مما أغضبه بشدة وبدأ يتلفظ بكل أنواع عبارات الشتم كعادته ،لكنها تشجعت ولم تفتح له؛ أقسم على أنه سيرتكب جريمة في حقها ما إن يحل الصباح عليهما.
لم تبال زينب للأمر ودخلت غرفتها وأغلقت بابها ونامت كأن أمرا لم يحدث؛ وفي الصباح الباكر قررت الاتصال بالشرطة والتبليغ عن تهديد زوجها لها بالقتل لأنها كانت تعلم حق العلم أنه سيفعلها؛ أسلوبها في مواجهة الأحداث تغير ؛ تعتقد زينب أن الحركة التي بداخلها هي التي منحتها دافعا جديدا للحياة
أفاق السكير من نومه وهو ملقى عند باب العمارة ليجد نفسه تحت وقع أسئلة شرطي؛ ماذا تفعل هنا ؟ أنا أسكن في هذه العمارة ونسيت المفتاح عند زوجتي بعدما تركتها في بيت أهلها البارحة ؛ فلم أستطع العودة حتى لا أزعج أهلها بعد منتصف الليل ؛ رد عليه الشرطي : تفضل معنا ؛ زوجتك قدمت شكوى ضدك وهي من أخبرتنا أنك هنا ونحن نعلم أنها الآن في منزلكما؛ وتهديدك لها بالقتل أخافها، عليك الآن أن تقدم لها ضمانا بعدم المساس بها ؛ استغرب خليل تصرف زوجته ؛ فغالبا ما كان يضربها ولم تفكر يوما أن تقدم شكوى ضده؛ الأمر لم يعجبه ...بينما الشرطي يحدث خليل إذ بزينب تخرج من باب المنزل وتنزل على الدرج لتقف بمواجهة زوجها قائلة : منذ الآن لن أسكت عن حقي؛ فلتكن على علم بهذا الأمر .
أصابت خليل الدهشة وبدأ يخطط لأمر خطير يمكن أن يكسر صحوة زينب؛ قام بالتوقيع على وثيقة ضمان سلامة زوجته وعدم التعرض لها مجددا؛ ثم غادر المكان ، أما هي فتوجهت صوب السوق لتشتري ثياب الأطفال، كلما مرت بمحل لهم شعرت بسعادة كست قلبها الذي لم يفرح منذ سنوات .
عادت إلى منزلها محملة بكل ما يحتاجه المولود الجديد؛ لتجد زوجها مستلقيا هادئا لأول مرة بعد زواجهما، يشاهد التلفاز تارة ويرمقها بنظرات غريبة تارة أخرى .
مرت عدة أسابيع على هذا الحال ، غريب توقف الرجل عن الشرب وصار يعود إلى البيت باكرا وينهض باكرا للذهاب إلى العمل؛ أصبح عوض حمله للقارورة يحمل أكياسا مليئة بالخضر والفواكه ؛ سبحان الله... ماهذا التغير المفاجئ ...ولأن زينب تعرف طباع زوجها جيدا لم تأمنه؛ بل بقيت حذرة منه ...لكن الأمر استمر معه إلى غاية الشهر الثامن من حملها أين عاد مرة يعلو وجهه وعيناه حمرة ؛ تظن زينب أنه استبدل قارورة المشروب بشيء آخر هذا هو سبب هدوئه، تظن أن أصدقاءه لم يوفروا له البضاعة فقد خرج مسرورا وعاد غاضبا.
لم تعر زينب للأمر أهمية فقد التحقت بمطبخها لتعد العشاء ؛ بينما هو بقي كالوحش ينفخ هنا وهناك ؛ ويضرب الجدران بكلتا يديه، زاد فعله عن حده وبدأ الخوف ينتابها؛ لم تخف على نفسها بقدر جنينها ، ففي المرة السابقة قامت بالابلاغ عنه حماية لطفلهاالذي لم يولد بعد ...توقعات زينب في أن يفعل بها خليل شيئا يعكر سعادتها أصبح واقعا؛ فقد توجه نحو المطبخ ومباشرة ألقى بقبضته على رقبتها وبدأ يضغط عليها بقوة وهو يهدد ويتوعد سأقتلك ،مذ عرفتك لم أستطع العيش بسلام ؛ أحست زينب بدوار كانت تدفعه عنها بقوة ،لكن تراخت قواها ليقوم هو بدفعها على حافة أحد المقاعد دفعة كانت كفيلة بأن تنقل إلى المستشفى وهي مغمى عليها؛ استفاقت زينب لكنها لم تصدق ما حدث لها؛ بطنها الكبير أصبح فارغا من أي محتوى، بدأت بتفقده بيديها وهي تحت وقع الصدمة؛ أين طفلي ؟ ماذا فعلتم به؟
آاااه أين صغيري ؟ أريد صغيري ؟ قامت ممرضة بامساكها لتحقنها أخرى بمهدئ لعلها تتوقف عن العويل والبكاء ... نامت بعد الحقنة مجددا لتفيق منتصف الليل؛ كانت بائسة يائسة، لم تعرف ماذا تفعل.... طبيب بالرواق يراقب المرضى تارة ويقرأ ما يرسل إليه من خلال الدردشة تارة أخرى، سمع نحيبها فتوجه نحوها؛ سيدتي ليست المرة الأولى التي تفقد فيها النساء الحوامل مواليدهن؛ أعيدي كرة الحمل وسيكون لك ولد ...لماذا كل هذا البكاء في جوف الليل؛ أعرف أن الأمر ليس سهلا عليك لكن عليك تحمله مازلتي فتاة شابة ...ومادام أن زوجك رضي بحملك الأول فحتما سيكون له منك ولد آخر.
بقيت زينب تبكي وقد أصابتها غصة من قول الطبيب ...قالت في نفسها حتى أنت ...؟.
أمر الطبيب زينب بمغادرة المشفى بعد يومين من الحادثة لتتوجه إلى بيت أهلها؛ هذه المرة قام والدها باتخاذ موقف ضد زوجها فقد هدده بالسجن إن عاود الاقتراب من ابنته ، وعليه البدء في اجراءات الطلاق مجددا؛ لن يعرض ابنته مرة أخرى للموت يكفيها أنها فقدت أعز ما لديها جزء من بصرها وفلذة كبدها.
قام خليل باستدعاء محام من أجل الطلاق وأثناء مدة المرافعات، خرج ليلة بصحبة خلانه على متن دراجات نارية، ليتعرض لحادث أفقده رجله اليمنى ليدخل في غيبوبة دامت ستة أشهر، حينها حنّ قلب زينب ورأت أن تخليها عن زوجها الذي يعتبر ميتا سيجلب لها الكثير من المشاكل ، كما أن زوجها بعيد عن أهله وليس له أحد سواها ؛ كانت تزوره كل يوم إلى أن استفاق من غيبوبته؛ عاد من ميتته ليطلب الصفح والعفو من زوجته، قائلا : أرجوك عزيزتي ليس لي سواك ...كان متأثرا جدا بما حدث معه ...لدرجة أنه كاد أن يفقد بصره من شدة البكاء...لكن زينب الأصيلة كانت دائما تواسيه .
عادت زينب وزوجها لبيت الزوجية وبدأت بالاهتمام به، ولم تتوقف عن محاولة ايجاد حل لرجله المبتورة حتى ركبته...
استنجدت بالجمعيات الخيرية ؛ وقامت ببيع ممتلكاتها من أثاث ومجوهرات، وقررت أن تسافر به إلى بلد أوروبي ...وهذا ما حدث حقا؛ أين تم ايصال الجزء المبتور البلاستيكي بركبته ...الآن صار بامكانه المشي من جديد .
عادا إلى الجزائر على متن أول طائرة ...كانت سعيدة بما أنجزته ...في حق زوجها...لقد أكرمته...لتكتشف بعد هذا الانجاز العظيم أن له زوجة وطفلا حديث الولادة ينتظرانه عند باب العمارة لاستقباله .
استغربت الأمر نظرت إليه ...قال : آسف عزيزتي ؛ عندما هجرتني قبل الحادث شعرت باليأس فقررت الزواج ...هذه زوجتي الثانية وهذا طفلي ...لكن لن أتركك أبدا بعد الذي كان منك.
لم تقل زينب شيئا تركته واقفا مع زوجته الثانية التي ما إن رأته حتى بادرته بكل عبارات الشوق ، ثم اصطحبته معها لبيتها؛ أما زينب فقد كتبت رسالة : لم أعرف السعادة معك ، ولكن حاجتك لي أرغمتني على البقاء معك ...كنت دائما أتخيل أني في معركة وعليّ الخروج منها بأقل ضرر...وأن بقائي معك في جميع الأحوال يعد بالنسبة لي أكبر مشاريعي لأنني أحببتك ولم أكن أعرف سبيلا لهذا الحب؛ لهذا وبعد خسارتي لمعركتي لم يعد لي ما يبقيني معك ...خسرت بصري وطفلي والآن أنت ...لا حاجة لي بالاستمرار ...
وداعا خليل ...أظن أن مأساتي لن تنتهي إلا بنهايتي .
....الوداااااع....أسدلتُ الستار وانتهت حكايتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق