الجمعة، 28 أغسطس 2020

غزو فكري // للأستاذة // فاطمة المخلف

 غزو فكري

إذا غزوتَ فكري
ستعشعش في فضاء الروح
كما يعشعش عصفور فوق اغصان في بدء ربيع
إذا غزوتَ فكري
سينطلق الإبداع نورا من عيني
َ ليملأ الكون جمالا وصفاء وحروفا ندية
إذا غزوتَ فكري
لن ترى على شفاهي سوى
مفردات تفيض كالفراتين عطاءً نقيا
تنثر الخصب
والخضرة في فلبي
إذا غزوتَ فكري
سأعلن الانهزام أمام فكرك وسأرمي سلاحي
وافتح حصون قلبي
في مهب حبك
َ يامن استطعت غزو عقلي
فانهارت أسوار قلبي
معلنة انتصارك حدثا سرمدي
يا رجلا أحاط بي
كقفص يحمي
كناريه
يملأ الدنيا ألحانا
ويوزع السعادة عبر الفضا
لحن شجي
إذا غزوتَ فكري
ستسود سحب مازنات تعطر الكون شذايَ…
وينطلق عمري سعادة منتشية
فاطمة المخلف .سورية

صورتك الكبيرة // للأستاذ // ابراهيم العمر

 صورتك الكبيرة

بقلم الشاعر إبراهيم العمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا لست سوى انعكاسات
للمسات الحياة,

وحين أكون جميلا,

فأنا أعكس ما يلامسني
من السحر والجمال,

وأتفاعل مع ما أعيشه
 من العشق والشوق والهيام,

أنا رهن الظروف
 ورهن القضاء 
ورهن القدر

ورهن اللحظات والثواني,

رهن خيوط الوهج,

وكمية الضوء
التي يمكن لك فيها أن تراني.

بقدر ما أتعرض للإشعاع

أبدو رقيقا وشاعريا وهلاميا وشفافا,

إبحثي عن معاناتي,

ابحثي عن كمية الضوء,

ابحثي عن تواجدي
ف ي روحك

وفي أعماقك

وفي تعابير وجهك,

ابحثي عني 
في شردات لا وعيك وغيبوبتك,

ابحثي عن أناملي
في خصلات شعرك,

ابحثي عن همساتي الدافئة

التي تلامس أذنيك

في وسط سكون الليل

الذي ينام وسط الشجر الصامت,

ابحثي عن حروفك

التي تتمرّغ على شفتيي

كل الوقت الذي أغيب فيه

في عالم من الروعة والسحر والوداعة والجمال,

ابحثي عن كل ما يسكن في خاطري ووجداني

من تواجدك

ومن جسدك

ومن روحك

ومن أحاسيسك,

وعفويتك وصدقك وخوفك

ورعشة ضلوعك
وترددك

وأنين أوجاعك

ولهفة روحك

وتوقك وحاجتك الى الأمان

والى السلام والحب والحنان,

ابحثي عن كل ما يذيب كلماتي
ويسحقها
 ويجعلها رقيقة
مشّعة
مثل فصوص الماس

ومثل حبات المرجان

وعقود الياقوت,

انظري الى الأفق البعيد الذي يغطّيني

لترى صورتك الكبيرة

تحتضن مشاعري

وتلهب أحاسيسي

وتناديني

وتغوي كل احتياجاتي

وتلملم كل أنسجة الهم
والقلق والقهر
 والحرمان
والأسى والمرارة

التي لبست جسدي

واستوطنت في روحي
أيامي وسنيني .
ــــــــــــــــــــــــــــ

إبراهيم العمر .

أعتذر // للأستاذة // منى محمد رزق

 أعتذر....

يدعوني للتمهل
الآ أتسرع بالأحكام
ولا ألقي أتهماتي جُزاف
وأنسي ما فات
وأنتظر ما يحمله بجعبته من مخدوع الكلام!!!!!
مرة اخرى تطالبني بالغفران
وأوقف سنوات عمرى
بأنتظار أوهام
وأغلق عيوني عن ندوب
تركتها خلفك
وأحيك من السحاب أحلام
أنسجها بخيوط من الضباب
لأستيقظ مرة أخري
وأجدني أقبض علي السراب
أعتذر.....
لم يعد يستهويني
زيف الكلام
مل قلبي من كثره الخيبات
تصدع وفقد الثبات للحظات
عاود الأن يجمع شتاته
و نفض عنه ما غشي بصيرته
رجع يمسك ذمام وتينه
وما عادت تخدعه همسات زائفه
ومشاعر باهته
سقط عنك القناع
ووضحت جميع الملامح
وشاهدت بعين قلبي
ما تغافلت عنه مرات ومرات...
نعم عديده هي الخيبات
أثقلت كاهلي
خط الشيب بروحي
شاخت حتي ملامحي
غرست بين الضلوع
خنجراً مسموم
لم يبرئ قلبي منه
لهفي عليك....
ذلك البرئ
ما ذنبه أن كان يحي ببرائته
لا يؤمن بالأكاذيب
ذنبه انه وقع فريسه
لمكر المحبين
يرتدون عباءه العاشقين
وهم عنه أبعد ما يكون
يتشدقون بالحب
يشيدون منه قصور
وأساطير
يرسمون أوهام علي السحاب
وإن أمطرت
تساقطط وخزات
أعتذر
لن أتلون وأبدل أقنعه
سأتمسك بطّهر قلبي
ولن أفقد يقيني
وثباتي
🌼منى محمد رزق

ملحمة الحجر والمقلاع // سواعد المقلاع // للأستاذ // فريد يغمور

 ~~~~ سواعد المقلآع ~~~~

اسمع ياغاصب وارفع
واذهب بسلآحك وارجع
قد شدت فينا سواعدنا
فحجارة أيادينا مدفع
لم نخلق للذل سبايا
ابحث عن اصلك واخلع
جابوك لحذفك غربان
ارواحكم لحجارتنا مرتع
أعلآمنا بالأحمر جبلت
وأمجآد الأجداد لنا مرجع
ارجع يا غاصب فلترجع
فنواح اهاليكم مسمع
باللطم دفتم جفاياكم
وشهدائنا بعليائها تطلع
ما غابت شمس فلسطين
تاريخها للحضارة منبع
خنزير داس مرابطنا
تراقص بالسيف ووقع
لا تحسبن توقيعه له حق
قد خان ومع من باعوا طبع
ان كان الاسود لعزتهم رمز
فعزتنا نرويها بالاحمر ونطبع
جبالنا والنار فيها من غزة
الى نابلس فالساحل وارفع
وأغوار بلآد حصن وحدود
وترابها طهر لارواحنا مخدع
اطلع يا غاصب من ارضي
ليست بالنهاية انما هذا مطلع
اخلع من ارضي يا غاصب
لي حق في ارض المرجع
قد شدت سواعد ابنآئي
وبات الحجر كالمدفع
ابحث عن اصلك وعن
اهلك وبادر فورا للمهجع
قد ازفت ساعة العودة
فاسمعها مني لا تفجع
أمجاد امتي قد فصلناها
فيها ايات الحق وهذا مطلع
اطلع من ارضي ياغاصب
واحمل بارودك والمدفع
ربيع ارضي قد اينع وازهر
ارواح الشهدآء دفقت بالمنبع
فلسطين يا ارض الأحرار
لغير الله شعبك لن يركع
اطلع ياغاصب على لحني
قبل ان يصلك حجري بالمخدع
اسمعها مني ومن اهلي
القدس عاصمتي وقراها لنا مربع
لن ننسى كارم والعين
وساحل غزة للرجال مصنع
اما رام الله وديعة الاحرار
والعقب فيها إيمان وأذآن تسمع
ان جد جدهم بأزفة رفعوها
بنادق ومدافع للتحرير تطلع
سنخلع منا ومنها كل متسلط
ونرويها بدمآء الاحرار حتى ترجع
اخلع ياغاصب من حقي
فهذه فلسطين للعروبة مرجع
لا نفط فيها ولا ذهب
والظلم فيها ابدا نافق بلا مرجع
منذ الطفولة قضبان تقطع
ولكل حجر مقلآع ومقطع
ورؤوس تهوي بالحجر
وكأن القآذف مدفع
أقدارنا للشهادة تمضي
وأرواحكم أشواك تنزع
جندكم فيها خبيث لا يدري
بأننا أشبآل أسود لن نضبع
نذير شؤم تناثرتم على أرضي
حمار يمضي وخلف الحمار مريع
إن قالوا بمكرهم وقد حكموا
بأننا شتات بشتات ولن نرجع
فتلك لكم من أيآت القدر
حجر بجندكم يمضي فلا ترجع
سنين منا وقد مضت لنمضي
مواكب شهدآء تروي أرض المنبع
والأقصى لغير العرب ماكانت
والقدس لن تكون لخنزير مرتع
إن كانت اقداركم والحجارة
فقد أعددنا لكل منكم مقلع
على مر السهول سناسلنا مدت
تحت كل زيتونة أعددنا مصنع
إخلع أيها الغاصب من ارضي
ما شئت جارفا منها ابدا لن نطلع
فجذور أجدادنا تحتها مدت
وشرايين الأبطال سقيا لا تقطع
ما زموا المد فيها ولا ذرفوا
اعراس تقام لمن زفوا ولكل مقطع
اطلع يا غاصب من أرضي
فأشبالنا نضجت منكم لن تشبع
كرونا بمدهم من هم لنا أهل
وخلف المد مكر وغبن لن ينفع
ان كانوا بماضي الزمان وقع
فعلا اوتار الحاضر لن تسمع
شموس الوحدة قد طفأت
واقمارها غابت ابدا لن تسطع
لن يجدي للتحرير الا حجر
وسواعد الأحرار لها مدافع تردع
لسنا بحاجة مدافعكم
أبقوها لطبعكم المستودع
فأيادينا باتت ناصرة
بعزم الله للحق ترفع
حجارتنا بالقدر طعام
فطام أطفالنا للشهادة تدفع
وأمجآد أهلي رايات وثوابت
لن ترقص للفسق ولن تخنع
منازلنا مساجد وجوامع
وبيوتنا منارات عز تسطع
ما عدنا بحاجة تدافعكم
والأمم لغبننا ما دأبت تجمع
إن كنا حقا أول أولوياتكم
خطاباتكم غبن لن تسمع
ماعادت الأمم فينا لتنصفنا
واعلآمكم ما عاد هزها ينفع
أزلتم رسم فلسطين خرآئطكم
وجعلتم الأزرق بالنجم يسطع
مفاتيح الحل بأيادينا
فلتكتب يا قلم المدفع
اكتب فجر فرق وادفع
لا تبقي للمعتدي علم يرفع
إسحق امسح كرمش خربش
وإن بالأحمر سال المدفع
عبر الحواجز لقد حجزوا
اطفالا ونساءا وشيوخا ركع
ما راعوا الذمة ما راعوا
واشهروا بوجههم المدفع
مكر وقمع وتهجير وتشريد
وطفل قد تجاهل المقطع
ثار لأهله منتفضا يقذف
حجارة العزة عبر المقلع
لجنود بسلاحها قد أجت
ودروع لفت تحميهم منزع
لكن الله راصدا لهم جنده
وأيادينا لأقدارهم مصرع
اصحاب حق أهلي قد نصروا
وشعب فلسطين كلهم مرجع
ما غاب من شت منا وما غاب
منصور والعود تحرير بالمدفع
إن لم يكن المدفع لها نصر
كان الحجر المطحون لها انفع
كلمات فريد يغمور ابو محمود
....مقلآع ...وهدف وحجر ....

الأربعاء، 26 أغسطس 2020

نزف الحنين // للاستاذة // انس انس

 نزف الحنين

أقلبُ الدّنيا على
جبل صمتي
كم ناح حرفي
على سطر روحي
دمعتان في محجر
الكلام
وبركان خامد خلف
يراعٍ ومحبرة
سطرني على
سجل ريح
وأرسل جثمان قلبي
للطيور الناعسة
إنها تحيا بين
بوحين وسكت
جميلة هي مراسم
الشوق تحملني
تارة على جنح فراق
تبعثر ليلي في ضبابي
صبحي مع الفجر ناح
شرفتان و يكتمل النحيب
والنخيل زاغ بصره
عن عتبة الحنين
واهٍ يا ليل النوى
كم أنت قاسٍ
والقلب فيكَ أكتوى
يا سرَّ العهد القديم
قبران وينجو الجسد
من مكمن الهوى
لا إلتزام بعهد مرَّ
فأين قوانين البعد
إن حلّ الرحيل
والتوى
دع عنك مراسم
الخروج من بوتقة
الوعد
ودللني بالإعتراف
الصادق
هل خاب الطريق بيننا
أم مازلت تبحث عن
تفاصيل داري
أين أنت ياصرخة
في الروح
ادفن بقايّ وأرمِ
أشلائي للقرون
الناعسة على أجنحة
الطير وأرمِ تفاصيلي
في جب يوسف
علَّ قافلة الحنين تمرّ
وتنتشل عمراً.. حلماً..
فرحاً..
ضاع مني وهوى!!
أنس أنس

قصيدة طقوس لك // للاستاذ // الهادي العثماني

 طـــــقــوس لــكِ

•••••••••••••••••••
آتيك في غسق الدجى متوضّئًا ببراءتي
انت التي جاءتني معلنةً وشائج عشقها
كالنخلة اعذاقها ينعت... تدلّت... اشتهيها
ايُّ حبّ يولد منك أوسّده فؤادي،
أسميك ريحانة للعاشقــيــنْ
للحب أسباب،
ولي طرق تؤدّي الى شواطئ بحرك
وانا وانت في ليالي العشق نسري
في دروب الصادقـــيـنْ...
للحب أحلام ، ولي تفسيرها،
والحب أغنية العشّاق في لغة الحنينْ
وهـــجٌ ، هـــو الــعشــقُ
يا امرأة تعتريني ، تورّطت فيك
نسيتُ طقوسي،
ومارستك كالصلاة حنيفا
وبيني وبينك عهد اليقـــيــنْ
جدلنا الأماني،
ووقّـعت الحاني، صغت الأغاني
وكنتِ الوفاء ... وكنتُ الأمينْ
أتيتك أحمل شوقي وعشقي
وأطياف ذكرى
ومن نور عينيك انسج فرحي
اعالج جرحي مع الصابرينْ
فألقاني طهرا خلعت ذنوبي
والقاك بوصلة في دروبي
وألقاك بعض اقتراف الجنونْ
احب الحياة ... وانت الحياة
ولولاك أهدرت عمري الحزين
تعاليْ نصلّ كذا ركعتين
نمارسْ طقوس الهوى والغرام
مواعيد تخضــرُّ عبر السنــــيـــنْ
الهادي العثماني / تونس

قناديل // للدكتور // عدنان الظاهر

 دكتور عدنان الظاهر

4 ـ قناديل
قنديلُ الشمعةِ في الدمعةِ منديلُ
يتضاءلُ لا يخبو
يستكملُ دورتهُ شهراً شهرا
لا يتوانى لا يخلفُ لا يرقى
لحظُ الكوّةِ في مِشكاةِ النورِ قصيرُ
نورٌ في الجوهرِ مخمورُ
جدّفَ أو كفّرَ من تحتِ السقفِ المسقوفِ
حيثُ الفِضّةُ في عُنُقِ البوّابِ
بابٌ للنقشِ وبابٌ لنهايةِ قاضي بُغدانِ
البهرجُ نارٌ في نادي السُمّارِ
النارُ النارُ إذا شبّتْ شبّتها نيرانُ
النارُ الجبّارُ
طاووسٌ في قلبِ الشُعلةِ موقودُ
هيّا للحفلِ الراصدِ والمرصودِ
طبلٌ طاسٌ عودُ
الغائبُ والشاهدُ مشهودُ
خمرٌ صِرفٌ وخُمْارُ
موسيقى موسيقى
نايٌ أنَّ فأنَّ الساقي والباقي
ماجَ الموجُ وشقَّ الصفّا
أقداحٌ سقطتْ جذْبا شدّا
الليلُ يتيمٌ لا يٌخفي سِرّا .

قصيدة البحر // للاستاذ // رعد فريج

 ( البحر )

أيظن البحر أني
سأعشق غيره
فأنا من
من غاص
في أعماقه
وركبت على قمم أمواجه
قاربي في وسط البحر
من أسدل أشرعته
يطلب قربه ووده
قلبي الذي أنار
في عتمة الليل شاطئه
أنا من كان يشعر
في كل يوم بمده
وكم في ليلة غازلته
بمشاعري أشغلته
فنام قرير العين
بعد أن قبلته
عيني كانت
في غفوته تحرسه
ولهيب أشواقي
ينادي همسه
أيظن البحر
أني ساعشق غيره
كلا سابقى على شطه
تلامسني
حرارة دفء أنفاسه
ودموع غرامي
تشهد أني مازلت
على عهده
عاشقا ً للبحر
لا أخاف غدره
بقلم رعد فريج / يزيد يزيد

قصة قصيرة / رغد ورعد // للأديب رعد الأمارة

 قصة (رغد ورعد)

ما أن وطأتْ اقدامي قاعة المحاضرات، حتى ركبني عفريت الخجل الذي أعرفه، تَحسستُ جبيني أمسح بيدي عرقاً وهمياً، بالكاد رفعتُ رأسي، آه، ثمة مقاعد فارغة في آخر القاعة، رحت أختلس النظر، كانت القاعة تعجُّ بأصناف الطلاب والطالبات، بعضهم بدا خجولاً مثلي، النظرات هي هي تصافح البلاط شبه اللامع، أما البعض الآخر فكانت ضحكاتهم تكادُ تخترق أذني، اخذ غير واحد من هؤلاء الجريئين يتفحصني بعينيه دون أن يرمش وكأني مخلوق قدم تواً من الفضاء الخارجي ، نَكّستُ رأسي، لكن قبل أن أفعل ذلك حانتْ مني نظرة صوب مقاعد الطالبات اللاتي راح أغلبهن يتهامسن ويكركرن بصوتٍ خافت. أغلق أستاذنا الباب ثم تقدّم للأمام خطوتين، يا إلهي، كم بدا فاتناً بملامح وجهه الرومانية، قال بصوتٍ أخّاذ :
_مرحبا بكم جميعاً. قال هذا ثم أتبعها بأشارة من يده التي زيّنَ معصمها ساعة ذهبية خطف بريقها الأبصار، تصاعدتْ بهض الهمهمات ترحيباً بالأستاذ الثلاثيني ذو البدلة الرصاصية، أسند حقيبته الجلدية اللامعة إلى ركبته ثم أخرجَ بضعة أوراق منها، مشى خطوتين نحو لوح الكتابة ، تنهّدَ قبل أن يكتب بخط ثابت وجميل كلمة واحدة هي تعارف! تَصاعدتْ الهمسات من بعض الطلبة في الأمام، صحبها ضحكة خفيفة أو ضحكتين، استدار الأستاذ بشكل فاتن وضيّقَ مابين حاجبيه قبل أن يبتسم ويلوّح بالأوراق بين اصابعه، قال :
_سنكتفي بمحاضرتنا الأولى هذه بالتعرف فيما بيننا ، هذه طريقتي، لكسر الجمود والتوتّر فحسب. قال هذا ثم خطا نحو المكتب الصغير، وضع حقيبته ثم أخذ يقلّبُ بالأوراق بين يديه :
_سأنادي بالأسماء، لكن ليس ضرورياً الوقوف، رفع اليد سيغني عن كل هذا، طيب على بركة الله. راح الأستاذ ينادي على الحضور، كان يفعل ذلك بصورة بطيئة لاتكاد تخلو من الفكاهة، أخذ أغلب الطلبة الذكور يشاركون الأستاذ مرحه وهو ينطق بالأسماء مضيفاً لها نعوتاً والقاباً من عنده، كنت اتابع بشغف مايجري، لكن انتباهي كان مشدوداً أكثر للهمسات الرقيقة وكلمة نعم التي كانت تتصاعد من أفواه البنات، راقتني فعلاً طريقة الأستاذ في شد انتباه الآخرين، سمعته ينادي على أسمي، رغد..، يارب العباد، هل هذا فعلاً أسمي؟
_رغد، هل هي غائبة؟. رحت أنظر حولي، خيّل لي أن كل العيون انصبّتْ نظراتها في وجهي المُحمّرْ ، تَلمستُ جبيني، كان بارداً، لا أعرف كيف واتتني الجرأة، رفعتُ يدي المرتعشة وأنا أحاول النظر الى ماخلف الأستاذ،قال :
_نعم، تفضل عزيزي. أختنقتْ الحروف في سقف حلقي، أزدردتُ ريقي ثم أطلقتُ كلماتي بصوتٍ خافت :
_استاذ أنه أنا، لكن ليس رغد، بل رعد. أنحنتْ الأوراق بين أصابع الأستاذ، بالكاد تمالكَ نفسه، لكنه أخفى فمه بيده الأخرى واتجه صوب مقعدي، تصاعدَ من الأمام بعض الهمس المختلط، نقر الأستاذ على النقطة في أسمي وهو يقول همساً :
_انا آسف جداً، لا عليك، سأغيرها حالاً. رحتُ أحدّق في ظهره بعيون زائغة وهو يكمل قراءة بقية الأسماء، أحسستُ بأن ثمة من كان ينظر صوبي، خَفضتُ بصري، عندما رفعته بعد دقائق، كانت القاعة شبه فارغة، لقد حلّتْ فترة الأستراحة. في المحاضرة التالية تَنفستُ الصعداء فعلاً، فهذه المرة أستلمتْ دفة المحاضرة أستاذة وخطَ الشيب شعرها الولاّدي القصير، راقني أنه لم يكن لديها حقيبة ولا أوراق، اكتفتْ بألقاء المحاضرة ثم أخذتْ تحاول التعرف إلينا، بطريقة من أنتَ ومن أنتِ؟ . قبل فترة الظهيرة حدث نوع من التآلف بيننا نحن الطلبة، أخذنا نتقرب من بعضنا بخجل، لكن اغلبنا كان يحاول قدر الإمكان جذب انتباه الطالبات، الجميلات منهن على الخصوص ! وطبعاً لم أكن أختلف عنهم بشيء، حاولتُ بدوري النظر نحو واحدة او اثنتين ،لكن الأمر لم ينجح معي، فقد كنت خجولاً لدرجة اللعنة، كان وجهي يحمرُّ مثل حبة البندورة كلما اصطدم نظري بعيني واحدة منهن. في اليوم التالي زالَ الخجل أو كاد، أخذنا نستكشف بعضنا أكثر، أصبحتْ عبارة من مثل صباح الخير تنطلق من شفاهنا بسهولة، لكن قلة فقط منا من حاول التعرف إلى بعض الطالبات، كان لهم تجارب مشهودة خارج رواق الجامعة، هم اخبرونا بذلك فيما بعد، كادتْ المحاضرة الأولى أن تنتهي حين قطعها الأستاذ ذو الكرش المتدلي، لم أكن منتبهاً في أول الأمر، كنت مشغولاً بل سارحاً في تأمل الطالبة ذات الشعر الأحمر والتي جذبتْ أنتباهي منذ اليوم الأول، وجدتها تستدير وتبادلني النظر بحدة، حين انتبهتُ على نفسي وجدت أسمي يتردد بين شفتي الأستاذ :
_هل رغد غائبة؟. اتسعتْ عيناي دهشة واحمرَّ وجهي من الغضب هذه المرة، وجدت نفسي أرفع يدي حتى كادتْ تلامس سقف القاعة، قلت قبل أن أنهض محتجاً :
_أستاذ، رجاءً، أسمي رعد وليس رغد،وأنا ذكر ولست أنثى وهذه النقطة وصمة عار في جبيني!. قلت عبارتي الأخيرة بطريقة فكاهية لكنها حملتْ معنى الحدة والغضب،قال الأستاذ وهو يكركر مع بعض البنات التافهات :
_طيب لاتغضب، أنا افهم شعوركْ، الأمر سهلٌ للغاية، بوسعك إزالة النقطة ببساطة، فقط عليكَ الذهاب بفترة الأستراحة لموظفة الأدارة، تعرف نحن نأخذ قوائم الأسماء من هناك. قال هذا ثم غمزني بعينه قبل أن يواصل المناداة على بقية الأسماء. رافقني أحد زملائي في فترة الأستراحة، تحاشيت النظر صوب البنات الملتفّات حول بعضهن، لكني لم أستطع منع نفسي من التحديق بذات الشعر الأحمر التي خيّل إلي أنها ابتسمتْ بسخرية وكأنها تقول :
_ها رغد، سلامات!. لم أتبادل مع زميلي الجديد، ولو حرفاً واحداً طيلة الطريق صوب الأدارة ، كنت أغلي في أعماقي، حتى انني لم أطرق الباب، كان ثمة ثلاث موظفات بدَونَ في كامل اناقتهن وفتنتهن، ابتسمتْ واحدة في وجهي بعد أن وجدتني أدير عينيَّ فيهن بالتناوب، قالت :
_تفضل عيني، أمر خدمة؟. وجدتُ صاحبي يسبقني ويقف أمامها، قال بصوت فاجأني :
_ثمة سوء تفاهم، زميلي هذا - أشار نحوي بسبابته - أسمه رعد، لكن في القوائم لديكم أصبح أسمه رغد!. حاولتْ البنت أن تبتسم في وجهي، لكني صَوبتُ لها نظرة باردة جعلتْ ابتسامتها تموت في مهدها، قالت :
_حالاً، سنصلح الوضع، سنفعل ذلك في كل القوائم. قالت هذا ثم جذبتْ أحد الادراج واخرجتْ رزمة كبيرة من الأوراق، لم يستغرق الأمر سوى دقائق، أبتسمتْ الموظفة وهي تلوّح بالأوراق :
_أختفتْ النقطة، تم إزالتها عن بكرة أبيها، تقبّل اعتذارنا الكبير. قالت هذا ثم أعادتْ الأوراق الى درج المكتب. تنفستُ الصعداء أخيراً، كان زميلي قد سبقني بخطوات، قبل أن ندخل قاعة المحاضرات التفتَ صوبي وقال :
_هل رأيت؟ كان الأمر أبسط مما تصورت. أغلق الأستاذ النحيف الباب خلفه، استدار صوبنا مُرحّباً بأحناءة خفيفة من شعره الحليق، ماجذبَ انتباهنا في هذا الأستاذ الجديد أنه كان طويلاً أشبه بعمود نور متحرك، مشى بين المقاعد، أخذ بعض الطلبة يتهامسون فيما بينهم وقد عَلتْ الدهشة ملامحهم، ارتدَّ في خطواته الواسعة السريعة، فتحَ حقيبته وقال :
_لنترك المحاضرة جانباً الآن، مارأيكم بأن نتعرف على بعضنا؟ . أخذ يلوّح بقائمة الأسماء بين اصابعه، كان سريعاً في القراءة، بالكاد ينظر صوبنا، كرّرَ أسمي، ياللدهشة اللعينة، رغد وكأني الوحيد في القاعة! لم أرفع يدي بل حدّقتُ في زميلي الذي علتْ ملامحه دهشة تماثل دهشتي، شعرَ بالحرج الذي أصابني، لمحته يتهيأ للوقوف لكني سبقته وكان غضبي يسير أمامي حين تَركتُ مقعدي، قلت:
_لحظة أستاذ، رغد ليستْ غائبة. قَطبَ عمود النور حاجبيه، يبدو أن عدوى الدهشة انتقلتْ اليه والى الطلاب الذين تصاعدَ همسهم، قال :
_مكانك، أين تظنُّ نفسكَ ذاهباً؟ . قلتُ وأنا أضع يدي على أكرة الباب دون أن التفت :
_لاشيء أستاذ، ستفهم من الآخرين، أما أنا فسأجلب رغد هذه، حية أو ميتة. (تمت)
بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد


التماس بقلم // صاحب ساجت

.              (إِلْتِماسٌ) يا سَطْوَةَ ٱلنَّفسِ؛ عَلىٰ أَهْلِها... أَنَا ٱلآنَ حُرٌّ، عَتِيقٌ، مُتَفَلِّتٌ مِنْ رِبْقِكِ لِفَضاءٍ آخَرٍ... ...