قصص (دعوة وجع مفتوحة)
1 (الشتاء الأخير) كنت قد وعدتها بالزواج، حتى إني ابتعتُ لها خاتماً بفصٍ أحمر، لقد تجاوز عمري الأربعين سنة أخيراً وهي مازالتْ تنتظر! والخاتم ذو الفصْ الأحمر مازالَ يزّين إصبعها النبيل. الدنيا لم تكن عادلة معي ولا معها، حاولتُ قدر الإمكان أن احظى ولو بفرصة لتحقيق حلمنا، لكن الدنيا أدارتْ ظهرها لنا بصورة مرعبة، طيب، لقد ماتت أخيراً، في صباح شتائي باردْ، لم تنبس بحرف، هي فقط تمددَتْ كأي إمرأة خلتْ ملامحها من الشكوى والعتبْ، كانت نظرتها الأخيرة كأنها تقول :أنا بصدق آسفة، كان بودي انتظارك أكثر! ثم تَحسّرتْ وهي تمسُّ بأصبعها فصْ الخاتم،وغَفتْ للأبد!!
2(حكاية كل صباح) كنتُ متمدداً في سريري حينَ إنسابَ صوت فيروز من المطبخ، كانت زوجتي هناك، كنت أعرف إنها هناك تعدُّ لي الفطور وقهوة الصباح، وكانت كعادتها تخبىء لي مفاجأة، قبلة طويلة، أو وردة، وأحياناً عناق وقح! مشيتُ على أطراف اصابعي، كنت حذراً جداً، لكن أنفاسي وهي تلفحُ عِنقها من الخلف فضحتني!إستدارتْ عصفورتي اللعينة، تباً، كانت ترتدي واحداً من قمصاني ذي الأزرار الفضية، إصطدمَ رأسها الحلو برأسي،هَمستْ :
-أعرف رائحتك ياوحشي الوسيم، أعرف بدون أن تلمسني. امتدّتْ أصابعي،تعلقت بالأزرار الفضية، همست وهي ترفع حاجبيها :
-ماذا تظن إنك فاعل؟ أبعد يدكْ ياوحشْ. جذبتها هي والقميص، كان التصاقنا قد أنجبَ آهةً طويلة إهتزَ لها جسدينا، قلت :
-إنه قميصي في كل الأحوال، بل المُفضّلْ ياعصفورة. قالتْ وهي ترمي برأسها للخلف ضاحكة :
-لقد كان كذلك، أما الآن فقد أصبح لي. ثم اكملتْ وهي تنزلق من بين ذراعي :
-عليك أن تفعل أكثر من هذا كي تسترده!. كانت تقف غير بعيدة عني، متحدية، وقد زادها قميصي فتنة عجيبة، وجدتُ نفسي اخطو صوبها مثل وحش فعلاً، تناثرت الأزرار دفعة واحدة على أرضية المطبخ، إنسابَ صوت فيروز أعلى فأعلى حتى طغى على أصوات التنهدات!!
3 (مصباح البيت) دهنتْ أمي بعض ارغفة الخبز الباردة بمعجون الطماطم ثم راحتْ توزعها علينا، قالت وهي تدّسُ قطعة صغيرة في فمها :
-سيعود البابا قريباً، وسأطبخ لكم الكثير من الطعام. راحتْ أمي تفتح ذراعيها على وسعهما وهي تصّور لنا كمية الطعام الهائلة التي ستطبخها، لكن وهي تحدق في، كانت زاوية فمها ترتجف!.عاد أبي أخيراً، مبللاً مثل عصفور الشتاء، راح إخوتي الصغار يدورون حول كيس السمك شبه الخاوي، سرعان ما ارتختْ قبضته فتبعثرتْ بضعُ سمكات اكبرهن بطول الكفْ،قالت أمي وهي تضع يداً على خاصرتها :
-هل تستحم أولاً، أم أسكبُ لك الغداء؟. قاطعها أبي بأن رفع يده، قال :
-لا، سنأكل السمك أولاً أنا والأولاد، إرتاحي أنتِ سأفعل كل شيء بنفسي. كان وهو يتكلم ينظر صوبي خلال ذلك، وضع يده الباردة جداً على كتفي، شَعرتُ بقشعريرة هزتني تماماً، همس بإذني :
-تعالي ساعديني يا بلبلتي، الماما مريضة. بعد العشاء إنزوتْ أمي في فراشها، كانت تئن بصوت خافتْ، رحتُ ادلّك ساقيها،كان أبي يحتسي الشاي،أما إخوتي فقد التصقتْ أجسادهم الصغيرة وغابوا في نومٍ متقطّعْ تخللته أحلام مضحكة لا أول لها ولا آخر. كنتُ على وشك أن اغفو على ساقي أمي المشتعلتين ناراً، حين هزَّ أبي كتفي برقة، أنهضني وهو يقلّدُ برأسه طريقة نومي، ضحكنا بصوت خافت معاً، سحبني من يدي ثم ازاحَ الغِطاء ودثَّرني جيداً، تَحسّرْ ثم مضى، كان بوسعي رؤيته من خلال النور الباهت كيف راح يدلك جسد أمي كله بهمة عالية. عند الفجر مسَّ أبي كتفي، كانت عيناه محمرتان ، همس في إذني :
-إنتبهي لأخوتك، لن اغيب طويلاً. كانَ النعاس مايزال يداعب اجفاني حين عاد، لم يكن لوحده، سمعته يتحدث مع آخرين، نظر صوبي ثم راح يحدّق صوب إخوتي، إقتربَ مني ثم انحنى وقال بصوت ميت :
-صغيرتي، غطي رؤوس اخوتك الثلاثة، إفعلي ذلك بهدوء. زحفتُ صوبهم، فيما جثا أبي على ركبتيه عند جسد أمي المخفي تماما خلف الاغطية، ازاحها جانباً،دس يديه الأثنتين ثم حملها بسرعة، كانت خفيفة مثل الريشة، َضمّها إلى صدره ولم يلتفتْ صوبنا. مرت الأيام سريعة بعد ذلك، كان مصباح البيت ذو الوهج القوي قد انطفأ أخيراً؟ قال أبي:
_ انتِ مصباح البيت الآن. كانت شفتيه ترتعشان وهو يقول ذلك!. أصبحتُ أماً لأخوتي وانا لم أبلغ الثالثة عشر بعد، كان أبي قد أخذ ينظر لي كما لو كنت صديقة لا إبنة، أصبح يَبثّني همّهُ ويشاركني أحلامه وهو ينظر بفخر صوب إخوتي المنهمكين بالمذاكرة، مع مرور الوقت َتحسّنَ وضعنا قليلاً، أصبحتُ خياطة ماهرة، ثيابنا وثياب المعارف والجيران أخذتْ تَمرُّ من تحت يدي، لكن شيئاً ما أصابني أخيراً ، صرت اتنّهدُ كثيراً، حتى إن زاوية فمي باتتْ ترتجفْ!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق